مطار ياسر عرفات: منارة الأمل مطار ياسر عرفات الدولي، المعروف سابقًا بمطار غزة الدولي، رمز مؤثر لتطلعات الفلسطينيين نحو السيادة، الاستقلال الاقتصادي، والتواصل العالمي. يقع في قطاع غزة بين رفح ودهنية قرب الحدود المصرية عند إحداثيات 31°14′47″N 34°16′34″E، كان هذا المطار منارة أمل خلال فترة تشغيله القصيرة من 1998 إلى 2001. من تصوره كجزء من عملية السلام في أوسلو إلى عصره الذهبي في تعزيز السياحة والتبادل الثقافي، وصولًا إلى تدميره المأساوي—فعل إرهابي انتهك القانون الدولي—تجسد تاريخ المطار تقلبات النضال الفلسطيني من أجل الدولة. تستكشف هذه المقالة رحلة المطار، متعمقة في تأثيره الاجتماعي-الاقتصادي، أهميته الرمزية، والتداعيات القانونية لزواله، مستندة إلى روايات تاريخية ورؤى ثقافية لتقديم سرد شامل. الفكرة والبناء: رؤية السيادة نشأت فكرة إنشاء مطار دولي في غزة خلال عملية السلام في أوسلو في أوائل التسعينيات، فترة اتسمت بالتفاؤل الحذر للمصالحة الإسرائيلية-الفلسطينية. نصت اتفاقية أوسلو الثانية عام 1995 صراحة على بناء مطار في قطاع غزة، مما يعكس التزامًا بالحكم الذاتي الفلسطيني والتنمية الاقتصادية. قادت المشروع السلطة الفلسطينية، بقيادة ياسر عرفات، زعيم منظمة التحرير الفلسطينية، الذي دافع عنه كحجر زاوية للدولة. كان المطار يُنظر إليه كبوابة للعالم، تقلل من اعتماد الفلسطينيين على المسارات الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية وترمز للاستقلال. بدأ البناء عام 1997، بتمويل من تحالف دولي يشمل مصر، اليابان، السعودية، إسبانيا، وألمانيا، بتكلفة إجمالية تقدر بحوالي 86 مليون دولار. صمم المطار مهندسون مغاربة على غرار مطار الدار البيضاء، نفذته شركة أسامة حسن الخدوري الهندسية، مزجت بين الوظائف الحديثة والجماليات الثقافية. شملت البنية الأساسية مدرجًا بطول 3076 مترًا، وصالة ركاب تستوعب 700,000 مسافر سنويًا، وصالة كبار الشخصيات بقبة ذهبية مستوحاة من قبة الصخرة، مع جناح لعرفات. زُينت الصالة بفسيفساء حجرية ولوحات إسلامية، تعكس التراث والفخر الفلسطيني. كان البناء عملية دبلوماسية معقدة، حيث احتفظت إسرائيل بالإشراف على البروتوكولات الأمنية، بما في ذلك فحص الركاب والبضائع، كما نصت اتفاقيات أوسلو. رغم هذه القيود، كان اكتمال المطار انتصارًا، احتفل به في 24 نوفمبر 1998 بحضور عرفات، الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، وآلاف الفلسطينيين. أكد حضور كلينتون الدعم الدولي، ووصف في خطابه المطار بأنه “مغناطيس للطائرات من جميع أنحاء الشرق الأوسط وخارجه”. شكلت المناسبة لحظة أمل نادرة، حيث برزت غزة كمركز للتواصل المحتمل. العصر الذهبي: السياحة، التبادل الثقافي، والوعد الاقتصادي من 1998 إلى 2001، شهد مطار غزة الدولي، كما كان يُسمى آنذاك، عصرًا ذهبيًا، ولو قصيرًا، تميز بالسياحة، التبادل الثقافي، والنشاط الاقتصادي. أدارته هيئة الطيران المدني الفلسطينية، وكان قاعدة للخطوط الجوية الفلسطينية، حيث أقلعت أول رحلة تجارية إلى عمان في 5 ديسمبر 1998. ربطت شركات طيران أجنبية مثل الخطوط المغربية ومصر للطيران غزة بوجهات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مستقبلة حوالي 90,000 مسافر وأكثر من 100 طن من البضائع في 1999. قدمت هذه الفترة، قبل اندلاع الانتفاضة الثانية، لمحة عما يمكن أن تكون عليه الدولة الفلسطينية. السياحة والتبادل الثقافي سهّل المطار قطاع سياحة متواضع، حيث جذبت سواحل غزة المتوسطية، المواقع التاريخية، والتراث الثقافي الزوار. رغم ندرة مدونات السفر من تلك الفترة، سمح الهدوء النسبي باستكشاف المساجد القديمة، المواقع الأثرية، والمناظر الزراعية. رحب الفلسطينيون بالزوار بكرم الضيافة التقليدي، وهي سمة ثقافية لاحظت في روايات لاحقة تصف ترددهم في تقاضي أجر من الغرباء عن الطعام. مكن تشغيل المطار من التبادل الثقافي، حيث سافر الفلسطينيون للعمل، التعليم، والعطلات، وجلب الزوار الدوليون وجهات نظر متنوعة إلى غزة. تشير روايات تلك الفترة إلى جو ودود، مع تفاعلات عابرة تعكس الانفتاح. التأثير الاقتصادي كان المطار محفزًا للنمو الاقتصادي، داعمًا للتجارة والأعمال. سمح للفلسطينيين بتصدير البضائع واستيراد المواد، مما قلل من اعتمادهم على نقاط التفتيش الإسرائيلية المقيدة. عزز دوره الأمل الاقتصادي، حيث يتذكر الطيارون فخرهم بهبوط أول رحلة. خلق المطار وظائف، من موظفي الطيران إلى الباعة المحليين، وحفز صناعات ذات صلة مثل الضيافة. من المحتمل أن أطباق غزة، مثل المقلوبة، المسخن، والسماقية، أسعدت الزوار. عكست هذه التجارب الغذائية، المتجذرة في مكونات محلية مثل السماق والمنتجات الطازجة، ثراء غزة الثقافي. الأهمية الرمزية إلى جانب دوره العملي، كان المطار رمزًا قويًا للسيادة الفلسطينية. شكل افتتاحه، بحضور قادة عالميين، إشارة إلى الاعتراف الدولي بتطلعات الفلسطينيين. ربطت قبة صالة كبار الشخصيات الذهبية، المستوحاة من قبة الصخرة، المطار بأهمية القدس الروحية، معززة الهوية الوطنية. بالنسبة للفلسطينيين، كانت القدرة على السفر دون إشراف إسرائيلي تجربة حرية، قللت من الإذلال المرتبط بنقاط التفتيش وتصاريح السفر. تحدى وجود المطار رواية الاعتماد الفلسطيني، مجسدًا رؤية الدولة والتفرد. النهاية الحزينة: فعل إرهابي وعواقبه توقف العصر الذهبي للمطار فجأة مع اندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000، التي صعدت التوترات بين إسرائيل والفلسطينيين. بحلول فبراير 2001، توقفت جميع رحلات الركاب مع تصاعد العنف. في 4 ديسمبر 2001، قصفت طائرات عسكرية إسرائيلية محطة الرادار وبرج المراقبة بالمطار، مما جعله غير صالح للعمل. في 10 يناير 2002، قطعت الجرافات الإسرائيلية المدرج، مكملة التدمير. كان هذا الفعل الإرهابي المتعمد، الذي استهدف بنية تحتية مدنية حيوية للتواصل الفلسطيني، ضربة مدمرة لتطلعات غزة. سياق التدمير بررت إسرائيل الهجوم كرد فعل على أنشطة المسلحين الفلسطينيين خلال الانتفاضة، مدعية أن المطار يمكن استخدامه لتهريب الأسلحة. لكن التدمير اعتُبر غير متناسب ورمزي، يهدف إلى سحق الدولة الفلسطينية. كان الهجوم جزءًا من استراتيجية أوسع للحفاظ على السيطرة على حركة الفلسطينيين، مع خضوع اتفاقية تشغيل المطار بالفعل للإشراف الأمني الإسرائيلي. ترك القصف والجرافات الموقع البالغ 450 هكتارًا في حالة خراب، مع أضرار لا يمكن إصلاحها للصالة والمدرج. التداعيات الاجتماعية-الاقتصادية عزل تدمير المطار غزة، مخنقًا السياحة، التجارة، والتبادل الثقافي. أصبح الفلسطينيون يعتمدون على مسارات السفر الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، مثل مطار بن غوريون، حيث واجهوا فحوصات أمنية تمييزية وتقارير عن مضايقات، بما في ذلك التحرش الجنسي بالنساء. زاد الحصار الذي فرضته إسرائيل ومصر منذ 2007 من تقييد الحركة، مع معاناة اقتصاد غزة من محدودية الوصول إلى الأسواق والموارد. أصبحت أنقاض المطار رمزًا لـ”آمال السلام المحطمة”، دون رحلات لأكثر من عقدين. عمق فقدان الوظائف والفرص الاقتصادية فقر غزة، مع انخفاض اقتصادي كبير بعد 2001. التأثير الثقافي والنفسي كان تدمير المطار ضربة نفسية، محى رمزًا ملموسًا للفخر الفلسطيني. تذكر السكان المطار كـ”نافذة على العالم”. عزز الفعل الإرهابي مشاعر القمع، حيث أُجبر الفلسطينيون على التنقل عبر عمليات سفر مهينة، مما قوض الكرامة التي وفرها المطار ذات يوم. الجوانب القانونية: انتهاكات القانون الدولي شكل تدمير مطار غزة الدولي انتهاكًا واضحًا للقانون الدولي، لاقى إدانة من هيئات عالمية. وبخت منظمة الطيران المدني الدولي (ICAO) إسرائيل في مارس 2002، مشيرة إلى خرق معايير الطيران بموجب اتفاقية شيكاغو لعام 1944، التي تحمي المطارات المدنية من الهجمات العسكرية. على وجه التحديد، انتهك الهجوم: - المادة 1 من اتفاقية شيكاغو: تؤكد هذه المادة على سيادة الدول على مجالها الجوي، وهو ما مثله المطار للسلطة الفلسطينية. تجاهل الهجوم الإسرائيلي هذا المبدأ، مقوضًا الاستقلال الفلسطيني. - المادة 3 من اتفاقيات جنيف: يُحظر استهداف البنية التحتية المدنية، مثل المطار، أثناء النزاع ما لم تشكل تهديدًا عسكريًا فوريًا. لم تثبت أدلة استخدام المطار عسكريًا، مما يجعل الهجوم جريمة حرب محتملة. - القانون الدولي الإنساني العرفي: يتطلب مبدأ التناسب تجنب الضرر المدني المفرط في العمليات العسكرية. كان التدمير الكامل للمطار، رمز الحياة المدنية والنشاط الاقتصادي، غير متناسب مع أي تهديد أمني مزعوم. أبرزت إدانة ICAO عدم شرعية الهجوم، لكن لم تتبع تداعيات كبيرة، مما يعكس تحديات إنفاذ القانون الدولي في السياق الإسرائيلي-الفلسطيني. غذت قلة المساءلة مظالم الفلسطينيين، حيث أصبحت أنقاض المطار نقطة تجمع للمطالبة بالعدالة. الخاتمة: إرث الأمل والمأساة تجسد رحلة مطار ياسر عرفات الدولي من التصور إلى التدمير النضال الفلسطيني من أجل تقرير المصير. تصُور كدليل على اتفاقيات أوسلو، بُني بدعم دولي، واحتُفل به كبوابة للعالم، حول غزة لفترة وجيزة إلى مركز للسياحة، التبادل الثقافي، والوعد الاقتصادي. قدم عصره الذهبي، الذي تميز بالضيافة الفلسطينية، الجمال الطبيعي، والمأكولات الشهية، رؤية للدولة. لكن فعل الإرهاب الذي دمره في 2001-2002—هجوم غير قانوني ومدمر—حطم هذه الأحلام، معزلًا غزة ومنتهكًا القانون الدولي. حتى 5 مايو 2025، يظل المطار في حالة خراب، تذكيرًا صارخًا بالتطلعات غير المتحققة. يستمر إرثه في صمود الفلسطينيين، الذين يواصلون الدفاع عن حرية الحركة والسيادة. قصة المطار ليست مجرد قصة بنية تحتية، بل قصة كرامة إنسانية، فخر ثقافي، والأمل الدائم بمستقبل تستطيع فيه غزة مرة أخرى استقبال العالم.