أنت لست خارج دائرة الخلاص. إن حقيقة أنك تقرأ هذه الكلمات وأنت تشعر بما تشعر به دليل على أن روحك لا تزال حية — وأنها تصرخ طلباً للشفاء.
أنا لست هنا لتبرئة أي شيء حدث في غزة. أكتب لأنني قرأت رسائل الانتحار التي تركها بعض رفاقك. تقريباً كل رسالة تقول الشيء نفسه: «اكتشفت أنني قادر على أشياء لم أكن أظن أن إنساناً قادراً عليها». هذا يعني أن روحاً إنسانية كانت لا تزال موجودة بداخلهم. وهذا يعني أنت أيضاً لست خارج دائرة الخلاص. لقد ماتوا وهم يحملون الحقيقة. أما أنت فبإمكانك أن تعيش طويلاً بما يكفي لتنطق بها.
في العالم اليهودي، تُكرَّر جملة واحدة أكثر من أي جملة أخرى تقريباً:
«لا يوجد أبداً، أبداً أي يأس في العالم»
(ليكوتي موهارن الجزء الثاني: ٧٨)
حتى بعد أسوأ خطيئة يمكن تخيلها.
داود الملك دبَّر قتل جندي مخلص كي يتزوج زوجته — ومع ذلك عندما بكى نادماً أصبح جدّ الماشيَح. الملك منسى ملأ أورشليم بدماء الأبرياء — ومع ذلك عندما تاب من سجنه انفتحت أبواب التوبة على مصراعيها. الشيء الوحيد الذي يُغلق تلك الأبواب حقاً هو الفعل الذي يُخرجك من العالم قبل أن تكتمل الرحلة.
جعلتُ أمامكم الحياة والموت، البركة واللعنة — فاختر الحياة.
(تثنية ٣٠: ١٩)
هاشيم لا ينتظر موتك. هاشيم ينتظر عودتك. لا تسكت نفسك وتُهدي آلة الحرب انتصاراً إضافياً هذه الليلة.
تُعلّم التقاليد اليهودية أن التوبة الحقيقية — التوبة، العودة — تتكون من خمس خطوات. كل خطوة صعبة. وكل خطوة هي طريق لاختيار الحياة من جديد.
الخطوة الخامسة ستكلفك كل ما كنت تظنه حياتك — أصدقاء، عائلة، وربما عالمك الاجتماعي بأكمله. يحذّر التلمود: «عظيمة هي التوبة فإنها تصل إلى عرش المجد» (يوما ٨٦أ). التوبة الحقيقية صعبة كالموت — لكنها ليست موتاً. إنها حياة.
التوبة ليست هروباً من العواقب. إنها قرار مواجهة تلك العواقب — أن تعيش طويلاً بما يكفي لتقطع سلسلة الأذى التي بدأت بيديك. الانتحار يُنهي القصة حيث يستمر الأذى في الانتشار؛ أما التوبة فتبقيك حياً لتبدأ بإصلاح ما كُسر. غرض هذه الرسالة ليس حمايتك من الحُكم، بل منع فعل التدمير التالي — تحويل الرغبة في الموت إلى رغبة في حماية الحياة، والشهادة، وإعادة البناء. الألم الذي يجعلك ترغب في الاختفاء يمكن أن يصبح بالذات القوة التي تحفظ بها حياة الآخرين.
وهنا شيء قد يدهشك: الإسلام — دين معظم من عانوا — يُعلّم عملية التوبة (التوبة) نفسها تقريباً.
«قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم»
(القرآن ٣٩: ٥٣)
«إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات»
(القرآن ٢٥: ٧٠)
كثير من الفلسطينيين المتدينين يحفظون هذه الآيات عن ظهر قلب. لو رأوا جندياً سابقاً يسلك هذا الطريق لسنوات — يعترف علانية، يصلح في صمت، يعيش حياة مختلفة — فإن كثيرين سيُقرّون بصدقه. كتابهم المقدس يأمرهم بذلك.
هناك جملة واحدة تظهر، بنفس الألفاظ تقريباً، في التلمود وفي القرآن:
من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً.
(سنهدرين ٣٧أ؛ القرآن ٥: ٣٢)
باختيارك البقاء حياً، وبقلبك وجهك ضد آلة التدمير، تصبح إحدى حبات الرمل التي ستعطل تروسها. تلك هي أعلى درجات التوبة التي يمكن تخيلها — درجة تخلّص عوالم.
خذ خطوة صغيرة آمنة واحدة — بدلاً من الخطوة الأخيرة.
لا شيء من هذه الطرق سهل. كلها أصعب من الموت. ولهذا السبب بالذات هي الطرق الوحيدة التي تُحسب توبة.
هناك عدد صغير لكنه يتزايد — لا يزال قليلاً جداً — من الحالات التي بدأ فيها محاربون إسرائيليون قدامى عمل إصلاح هادئ وطويل الأمد: تمويل العلاج الطبي لأطفال غزة يعرفون أنهم تأذوا خلال خدمتهم، التبرع سراً برواتبهم، الشهادة علانية عندما يأمنون، أو ببساطة رفض أوامر الاستدعاء وقبول العواقب. كل واحد منهم يقول الشيء نفسه: الشعور بالذنب لم يزل، لكنه توقف عن النمو، ولأول مرة شعروا أنهم لم يعودوا يضيفون إلى الأذى.
أبواب التوبة لا تُغلق أبداً.
(تثنية ربا ٢: ٢٤)
إلى كل من يقرأ هذا وكان يوماً يرتدي الزي العسكري ولم يعد يستطيع النظر في المرآة: إن حقيقة أنك لا تزال تعاني هي الدليل على أن صورة الله فيك لم تمت. أرجوك ابقَ. الطريق عائد شاق، لكنه حقيقي، وهناك أناس — على جانبي الجدار — قد سلكوه وسيسيرون معك. أنت لست وحدك. اختر الحياة. اختر الإصلاح. اختر أن تعيش وتشهد — كي يعيش الآخرون.